سورة الأنبياء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


قوله عز وجل: {اقترب} افتعل، من القُرْب، يقال: قَرُبَ الشيء واقترب. وهذه الآية نزلت في كفار مكة. وقال الزجاج: اقترب للناس وقت حسابهم. وقيل: اللام في قوله: {للناس} بمعنى: مِنْ. والمراد بالحساب: محاسبة الله لهم على أعمالهم.
وفي معنى قُرْبِهِ قولان:
أحدهما: أنه آتٍ، وكلُّ آتٍ قريبٌ.
والثاني: لأن الزمان لِكثرة ما مضى وقِلَّة ما بقي قريبٌ.
قوله تعالى: {وهُمْ في غفلة} أي: عمَّا يفعل الله بهم ذلك اليوم {معرضون} عن التأهُّب له. وقيل: {اقترب للناس} عامٌّ، والغفلة والإِعراض خاص في الكفار، بدلالة قوله تعالى: {ما يأتيهم من ذِكْرٍ من ربهم مُحْدَثٍ}، وفي هذا الذِّكْر ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه القرآن، قاله ابن عباس؛ فعلى هذا تكون الإِشارة بقوله: {مُحْدَثٍ} إِلى إِنزاله له، لأنه أُنْزِل شيئاً بعد شيء.
والثاني: أنه ذِكْر من الأذكار، وليس بالقرآن، حكاه أبو سليمان الدمشقي. وقال النقاش: هو ذِكْر من رسول الله، وليس بالقرآن.
والثالث: أنه رسول الله، بدليل قوله في سياق الآية: {هل هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكم}، قاله الحسن ابن الفضل.
قوله تعالى: {إِلا استَمَعُوه وهم يلعبون} قال ابن عباس: يستمعون القرآن مستهزئين.
قوله تعالى: {لاهيةً قلوبُهم} أي: غافلةً عما يُراد بهم. قال الزجاج: المعنى: إِلا استمعوه لاعبين لاهيةً قلوبهم؛ ويجوز أن يكون منصوباً بقوله: {يلعبون}. وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن أبي عبلة: {لاهيةٌ} بالرفع.
قوله تعالى: {وأسرُّوا النَّجوى} أي: تناجَوا فيما بينهم، يعني المشركين. ثم بيَّن مَنْ هم فقال: {الذين ظَلَمُوا} أي: أَشْرَكوا بالله. و{الذين} في موضع رفع على البدل من الضمير في {وأَسَرُّوا}. ثم بيَّن سِرَّهم الذي تناجَوْا به فقال: {هل هذا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكم} أي: آدميٌّ، فليس بملك؛ وهذا إِنكار لنبوَّته. وبعضهم يقول: {أسرُّوا} هاهنا بمعنى: أظهروا، لأنه من الأضداد.
قوله تعالى: {أفتأتون السِّحر} أي: أفتقبلون السِّحر {وأنتم تعلمون} أنه سِحْر؟! يعنون أن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم متابعةُ السِّحر. {قُل ربِّي} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: {قل ربي}. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: {قال ربِّي}، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين، وهذا على الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يعلم القول، أي: لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض، فهو عالم بما أسررتم. {بل قالوا} قال الفراء: رَدَّ ب {بل} على معنى تكذيبهم، وإِن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم، لأن معناه الإِخبار عن الجاحدين، وأعلمَ أن المشركين كانوا قد تحيَّروا في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سِحْر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة تُرى في المنام؛ وقد شرحناها في [يوسف: 44]، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إِمهال بعدها.
قوله تعالى: {ما آمنتْ قبلَهم} يعني: مشركي مكة {مِنْ قرية} وصف القرية، والمراد أهلها، والمعنى: أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات، لم يؤمنوا بالآيات لمَّا أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟! وهذه إِشارة إِلى أن الآية لا تكون سبباً للإِيمان، إِلا أن يشاء الله.
قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إِلا رجالاً} هذا جواب قولهم: {هل هذا إِلاّ بَشَر مِثْلُكم}.
قوله تعالى: {نُوحي إِليهم} قرأ الأكثرون: {يوحَى} بالياء. وروى حفص عن عاصم: {نُوحي} بالنون. وقد شرحنا هذه الآية في [النحل: 43].
قوله تعالى: {وما جعلناهم} يعني الرسل {جَسَداً} قال الفراء: لم يقل: أجساداً، لأنه اسم الجنس. قال مجاهد: وما جعلناهم جسداً ليس فيهم روح. قال ابن قتيبة: ما جعلنا الانبياء قبله أجساداً لا تأكل الطعام لا تموت فنجعله كذلك. قال المبرد وثعلب جميعاً: العرب إِذا جاءت بين الكلام بجحدين، كان الكلام إِخباراً، فمعنى الآية: إِنما جعلناهم جسداً ليأكلوا الطعام. قال قتادة: المعنى: وما جعلناهم جسداً إِلا ليأكلوا الطعام.
قوله تعالى: {ثم صَدَقْناهم الوعدَ} يعني: الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مكذِّبيهم {فأنجيناهم ومَنْ نشاء} وهم الذين صدَّقوهم {وأهلكنا المُسْرِفين} يعني: أهل الشِّرك؛ وهذا تخويف لأهل مكة. ثم ذكر منَّته عليهم بالقرآن فقال: {لقد أنزلنا إِليكم كتاباً فيه ذِكْرُكم}، وفيه ثلاثة أقوال.
أحدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: فيه دِينكم، قاله الحسن، يعني: فيه ما تحتاجون إِليه من أمر دينكم.
والثالث: فيه تذكرة لكم لِمَا تلقَونه من رَجعة أو عذاب، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أفلا تعقلون} ما فضَّلْتُكم به على غيركم.


ثم خوَّفهم فقال: {وكم قصمنا} قال المفسرون واللغويون: معناه: وكم أهلكنا، وأصل القصم: الكسر. وقوله: {كانت ظالمة}، أي: كافرة، والمراد: أهلها. {فلما أَحَسُّوا بأسنا} أي: رأَوا عذابنا بحاسَّة البصر {إِذا هم منها يَرْكُضون} أي: يَعْدُون، وأصل الرَّكْض: تحريكُ الرِّجلين، يقال: رَكَضْتُ الفَرَس: إِذا أَعْدَيته بتحريك رِجليكَ فعدا.
قوله تعالى: {لا تَرْكُضوا} قال المفسرون: هذا قول الملائكة لهم: {وارجعوا إِلى ما أُترفتم فيه} أي: إِلى نعَمكم التي أترفتْكم، وهذا توبيخ لهم.
وفي قوله: {لعلكم تُسأَلون} قولان:
أحدهما: تُسألون من دنياكم شيئاً، استهزاءً بهم، قاله قتادة.
والثاني: تُسأَلون عن قتل نبيِّكم، قاله ابن السائب. فلما أيقنوا بالعذاب {قالوا يا ويلنا إِنَّا كنَّا ظالمين} بكفرنا، وقيل: بتكذيب نبيِّنا. {فما زالت تلك دعواهم}، أي: ما زالت تلك الكلمة التي هي {يا ويلنا إِنَّا كنَّا ظالمين} قولهم يردِّدونها {حتى جعلناهم حصيداً} بالعذاب، وقيل: بالسيوف {خامدين}، أي: ميتين كخمود النار إِذا طُفِئَتْ.


قوله تعالى: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} أي: لم نخلق ذلك عبثاً، إِنما خلقناهما دلالة على قدرتنا ووحدانيَّتِنا ليعتبر الناس بخَلْقه، فيعلموا أن العبادة لا تصلح إِلا لخالقه، لنجازيَ أولياءنا، ونعذِّبَ أعداءنا.
قوله تعالى: {لو أردنا أن نَتَّخذ لهواً} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن المشركين لما قالوا: الملائكة بنات الله والآلهة بناته، نزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أن نصارى نجران قالوا: إِن عيسى ابن الله، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال.
أحدها: الولد، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال السدي. قال الزجاج: المعنى: لو أردنا أن نتخذ ولداً ذا لهوٍ نُلْهَى به.
والثاني: المرأة، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وقتادة.
والثالث: اللعب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
قوله تعالى: {لاتَّخذناه من لَدُنَّا} قال ابن جريج: لاتَّخذنا نساءً أو ولداً من أهل السماء، لا من أهل الأرض. قال ابن قتيبة: وأصل اللهو: الجماع، فكُنِّي عنه باللهو، كما كُنِّيَ عنه بالسِّرِّ، والمعنى: لو فعلنا ذلك لاتَّخذناه من عندنا، لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده، لا عند غيره.
وفي قوله: {إِنْ كنا فاعلين} قولان:
أحدهما: أن {إِنْ} بمعنى ما، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة.
والثاني: أنها بمعنى الشرط. قال الزجاج: والمعنى: إِن كنا نفعل ذلك، ولسنا ممن يفعله؛ قال: والقول الأول قول المفسرين، والثاني: قول النحويين، وهم يستجيدون القول الأول أيضاً، لأن {إِنْ} تكون في موضع النفي، إِلا أنَّ أكثر ما تأتي مع اللام، تقول: إِن كنت لَصالحاً، معناه: ما كنت إِلاَّ صالحاً.
قوله تعالى: {بل} أي: دع ذاك الذي قالوا، فإنه باطل {نقذف بالحق} أي: نسلّط الحق وهو القرآن {على الباطل} وهو كذبهم {فَيَدْمَغُهُ} قال ابن قتيبة: أي: يكسره، وأصل هذا إِصابة الدماغ بالضرب، وهو مقتل {فإذا هو زاهق} أي: زائل ذاهب. قال المفسرون: والمعنى: إِنا نبطل كذبهم بما نبيِّن من الحق حتى يضمحلَّ، {ولكم الويل مما تَصِفُون} أي: من وصفكم الله بما لا يجوز {وله من في السموات والأرض} يعني: هم عبيده ومُلْكه {ومَنْ عنده} يعني: الملائكة.
وفي قوله: {ولا يَسْتَحْسِرُون} ثلاثة أقوال.
أحدها: لا يرجعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: لا ينقطعون، قاله مجاهد. وقال ابن قتيبة: لا يعيَون، والحَسِر: المنقطع الواقف إِعياءً وكلالاً.
والثالث: لا يملُّون، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {لا يَفْتُرون} قال قتادة: لا يسأَمون. وسئل كعب: أما يَشْغَلُهم شأن؟ أما تَشْغَلُهم حاجة؟ فقال للسائل: يا ابن أخي، جُعل لهم التسبيحُ كما جُعل لكم النَّفَسُ، ألستَ تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلم وأنت تتنفس؟! فكذلك جُعل لهم التسبيح.
ثم إِن الله تعالى عاد إِلى توبيخ المشركين فقال: {أم اتَّخَذوا آلهة من الأرض} لأن أصنامهم من الأرض هي، سواء كانت من ذهب أو فضة أو خشب أو حجارة {هُمْ} يعني: الآلهة {يُنْشِرون} أي: يُحْيُون الموتى. وقرأ الحسن: {يَنشُرون} بفتح الياء وضم الشين. وهذا استفهام بمعنى الجحد، والمعنى: ما اتخذوا آلهة تَنْشُر ميتاً. {لو كان فيهما} يعني: السماء والأرض {آلهةٌ} يعني: معبودين {إِلا الله} قال الفراء: سوى الله. وقال الزجاج: غير الله.
قوله تعالى: {لفَسَدَتَا} أي: لخربتا وبطلتا وهلكَ من فيهما، لوجود التمانع بين الآلهة، فلا يجري أمر العالَم على النظام، لأن كل أمر صدر عن اثنين فصاعداً لم يَسْلَم من الخلاف.
قوله تعالى: {لا يُسأَل عمَّا يَفْعَل} أي: عمَّا يَحْكُم في عباده من هدي وإِضلال، وإِعزاز وإِذلال، لأنه المالك للخلق، والخلق يُسأَلون عن أعمالهم؛ لأنهم عبيد يجب عليهم امتثال أمر مولاهم، ولمَّا أبطل عز وجل أن يكون إِله سواه من حيث العقل بقوله: {لفسدتا}، أبطل ذلك من حيث الأمر فقال: {أم اتَّخَذوا من دونه آلهة} وهذا استفهام إِنكار وتوبيخ {قل هاتوا برهانكم} على ما تقولون، {هذا ذِكْر مَنْ معي} يعني: القرآن خبر مَن معي على ديني ممن يتبعني إِلى يوم القيامة بمالهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية {وذِكْر مَنْ قبلي} يعني: الكتب المنزلة، والمعنى: هذا القرآن، وهذه الكتب التي أُنزلت قبله، فانظروا هل في واحد منها أن الله أمر باتخاذ إِله سواه؟ فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود غيره من حيث الأمر به. قال الزجاج: قيل لهم: هاتوا برهانكم بأن رسولاً من الرسل أخبر أُمَّته بأن لهم إلهاً غير الله!.
قوله تعالى: {بل أكثرهم} يعني: كفار مكة {لا يعلمون الحقَّ} وفيه قولان:
أحدهما: أنه القرآن، قاله ابن عباس.
والثاني: التوحيد، قاله مقاتل. {فهم مُعْرِضُون} عن التفكُّر والتأمُّل وما يجب عليهم من الإِيمان.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8